تقنية كريسبر … كيف يتم تعديل الجينات؟
٣١ مارس ٢٠٢١

تُمثل الأمراض الوراثية معضلة في عالم الطب وذلك نظرًا لانتقالها عبر الأجيال وصعوبة علاجها. من أجل ذلك توجهت العديد من الجهود لإيجاد التقنيات المناسبة للعلاج، حيث تم التوصل إلى العديد من تقنيات التعديل الجيني، ومنها تقنية (CRISPR\Cas9) التي أحدثت ثورة في عالم الطب، وقد مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام (2020) في الكيمياء للعالمة الفرنسية إيمانويل شاربينتييه، والعالمة الأميركية جينيفر دودنا؛ لتطويرهما هذه التقنية لتحرير الجينوم.

تم اكتشاف هذه التقنية على عدة مراحل بدءً من عام (1987) حين لوحظ نمط مميز على الجينوم الخاص ببكتريا الإيشيريشيا كولاي، حيث تتكرر (5) تتابعات متماثلة من (29) قاعدة، وتفصل بينها تتابعات عشوائية (Spacers). لاحقًا، تمت تسمية هذا النمط باسم (CRISPR) وهي اختصار لـ "Clustered regularly interspaced short palindromic repeats" ومن هنا أتى المقطع الأول من تسمية التقنية. ظل هذا الاكتشاف غير معروف الوظيفة لمدة تصل إلى (24) عام، حتى تم اكتشاف مجموعة من الجينات المصاحبة لهذا النمط المتكرر (CRISPR)، وسميت هذه الجينات باسم (Cas) اختصارًا لـ (CRISPR-associated systems) وهي المقطع الثاني للتقنية.

لاحقًا، ارتفعت وتيرة العمل على اكتشاف وظيفة هذا النمط على (DNA)، والجينات المصاحبة له؛ حيث تم التوصل إلى وظيفته كآلية دفاعية تستخدمها مناعة البكتيريا ضد البكتريوفاج، وهو نوع من الفيروسات التي تصيب البكتيريا. وتعمل هذه الآلية على (3) مراحل:

●   تلاحم التتابعات (spacer acquisition): حيث يعمل انزيم (Cas1\2) على تكسير الجينوم الخاص بالبكتريوفاج المهاجم للبكتيريا، ثم يلتحم جزء معين من جينوم البكتريوفاج مع التتابع العشوائي ( (Spacerعلى جينوم البكتيريا. فتتابعات (Spacer) ما هي إلا أجزاء من أنواع مختلفة من البكتريوفاج المهاجمة للبكتيريا طيلة دورة حياتها.

●   معالجة ( crRNA processing / crRNA): في هذه الخطوة يتم فصل شريطي (DNA) والتعامل مع أحداهما كقالب لتخليق شريط مقابل من (mRNA) والذي يحتوى على تتابعات (CRISPR) والبكتريوفاج المندمجة مع جينوم البكتيريا، ثم يأتي دور(tracrRNA) وهو تتابع ثابت يعمل على التحام (cRNA) مع بروتين (Cas9) ليتم القطع لاحقًا.

● التدخل (Interference): يرتبط (crRNA) مع (Cas9) في وحدة مترابطة، وتتعرف هذه الوحدة على جينوم البكتريوفاج من خلال تتابع معين يعرف بـ (PAM)، حيث ترتبط هذه الوحدة بالتتابع الملاصق لـ (PAM) والذي يكون مطابقًا لتتابع (crRNA)، وعندها يقوم إنزيم (Cas9) بعمل قطع مزدوج على جينوم البكتريوفاج ليصبح غير فعال. وهذه الخطوة تحدث عند مهاجمة البكتريوفاج للبكتريا للمرة الثانية، وهي الخطوة التي بُنيت عليها تقنية التعديل الجيني.  

تُمكننا هذه التقنية من حذف أو إضافة جين، علاوة على تنشيط او تثبيط بعض الجينات؛ مما يسمح بالتحكم في الجينوم ومعرفة وظائف هذه الجينات. وتتعدد مجالات تطبيق هذه التقنية، ومنها مجالات الصحة وتطوير الأدوية؛ حيث تخليق نماذج خلوية، وحيوانات تجارب تُحاكي بعض الأمراض، وكذلك في مجال الزراعة؛ حيث يمكن تحسين جودة المحاصيل، وتهجين بعض السلالات. ومن أمثلة هذه التطبيقات لتعديل الجينات وحذف بعض الطفرات ما تم مؤخرًا في علاج مريض يعاني من عمى وراثي (LCA10) باستخدام كريسبر، وإجراء حقن مباشر للعلاج لأول مرة داخل الجسم مصحوبًا بنتائج إيجابية. كما عملت مجموعة من الباحثين الصينيين بتثبيط جين (PD1) في نوع معين من خلايا سرطان الرئة؛ للتغلب على نمو وانتشار الخلايا السرطانية. وهذا الجين إذا كان نشطًا يقوم بتثبيط الجهاز المناعي ومساعدة الخلايا السرطانية على الانتشار.

بالطبع توجد بعض المخاوف الأخلاقية والاجتماعية عند تطبيق تقنية كريسبر وتقنيات التعديل الجيني الأخرى. ولذلك لابد من الالتزام بالأخلاقيات والقوانين التي تحكم وتحمي مثل هذه التقنيات وتطبيقها، بالإضافة إلى مراعاة السلامة وتجنب بعض الآثار الجانبية عند استخدام هذه التقنيات، وخاصة على الأجنة البشرية. مع العلم بأن المعاهد الوطنية للصحة (NIH) لا تمول أي استخدام لتقنية كريسبر على الأجنة البشرية. ومع ذلك، يعتقد العديد من الباحثين أن البحث باستخدام تعديل الجينات في الأجنة شيء ضروري للإجابة عن بعض الأسئلة العلمية حول البيولوجيا البشرية. وبينما سمحت بعض البلدان بالفعل كالصين، والمملكة المتحدة، بإجراء أبحاث تعديل الجينوم على الأجنة غير القابلة للحياة، نجد دولًا أخرى قد وافقت على إجراء أبحاث تعديل الجينوم على الأجنة القابلة للحياة.

*وللمزيد من الاطلاع، يُعرض برنامج وثائقي يدعى "unnatural selection" على شبكة (Netflix) والذي يتعرض للاعتبارات الاخلاقية لهذه التقنية، وكيفية تعامل المجتمع العلمي معها.

اقتراح ومراجعة علمية
إيثار أبو حشيش
شركة bit.bio
تدقيق ومراجعة لغوية
علا زيادة
جامعة القاهرة