
تسعى كيمياء الكم إلى حساب طاقات الجزيئات والتعرف على بنيتها في أوضاعها الأكثر استقرارًا، وذلك عبر حل معادلة شرودنجر باستخدام الحواسيب الكلاسيكيّة، غير أن هذه المهمة تصبح بالغة التعقيد كلما ازداد عدد الإلكترونات والمدارات في الجزيء، إذ تقفز كمية العمليات الحسابيّة بشكل هائل.
الطريقة الحسابيّة الأدق تُعرف بالتفاعل التكويني الشامل Full Configuration Interaction – FCI، وتعتمد على تجربة كل الاحتمالات الممكنة لتوزيع الإلكترونات على المدارات ثم تحل المعادلة. تعطي هذه الطريقة نتائج تقترب من الإحكام التام، لكنها تعاني من الارتفاع المذهل لكمية الحسابات المطلوبة، لأن عدد الاحتمالات بدوره مهول، ولهذا لا تستطيع التعامل مع الأنظمة التي تحوي أكثر من 22 إلكترون في 22 مدار.
السؤال: هل يوجد بديل؟
على الرغم من وجود طرق وآليات تقريبية أسرع، مثل CCSD وHCL1، فإنها لا تؤتي ثمارها إلا عندما يكون الترابط الإلكتروني ضعيفًا أو متوسطًا. وبما أن الحواسيب الكموميّة القادرة على حل المعادلة بدقة لا تزال في مراحلها التجريبية وغير متاحة على نطاق واسع، حاول الباحثون في هذه الدراسة أن يمزجوا بين الطرق التقريبية والدقيقة.
المنهجية: المزج بين الحواسيب الكموميّة والكلاسيكيّة
اعتمد الباحثون على نهج هجين يمزج بين الحوسبة الكموميّة والكلاسيكيّة لتجاوز قيود الطرق التقليديّة في الكيمياء الكموميّة. تعتمد الفكرة الأساسية على استخدام الحوسبة الكموميّة لتوليد معلومات أولية عن التوزيعات الإلكترونية، بينما تتولى الحوسبة الكلاسيكيّة استكمال الحسابات الدقيقة لاستعادة خصائص الحالة القاعية Ground State، أي الحالة الأقل طاقةً للنظام الكموميّ، بالإضافة إلى التوزيع الإلكترونيّ.
ابتكر الباحثون آلية تُعرف باسم الاستقطار الكمومي2 القائم على العينات Sample-based Quantum Diagonalization - SQD، وهي تتيح تنفيذ عمليات جبريّة معقدة على أنظمة أكبر من تلك الممكن التعامل معها عبر التفاعل التكوينيّ الشامل FCI على الحواسيب الكموميّة. في هذا الأسلوب، تُستخدم الدوائر الكموميّة لإنتاج عينات من حالات الجزيء المحتملة، ثم تُحوّل هذه العينات باستخدام خوارزميات كلاسيكيّة لاسترجاع المعلومات التفصيليّة عن الطاقة والحالة الإلكترونيّة.
بطريقة أبسط: يولد الحاسوب الكموميّ عينات من الحالات المحتملة للإلكترونات في الجزيء، ثم تُستخدم برامج كلاسيكيّة لمعالجة هذه العينات واستخراج الطاقة الدقيقة وتوزيع الإلكترونات، وبهذه الطريقة يمكن الحصول على نتائج دقيقة دون الحاجة لحسابات كاملة ومعقدة لجميع الاحتمالات.
في التجارب، اختبر الباحثون هذا الأسلوب على ثلاثة أنظمة: جزيء N₂ وعنقودَي 2Fe-2S و4Fe-4S، مستخدمين 58 و45 و77 كيوبتًا3 على التوالي، مع حوالي 3.5 ألف بوابة ثنائية4 لكل تجربة. كما ركزوا على المساحات الفعالة، أي المدارات الأكثر تأثيرًا على الترابط الإلكترونيّ، واستخدموا مجموعة أساس متسقة مع الترابط correlation-consistent basis set لضمان دقة النتائج، أي بدلًا من محاولة حل معادلة شرودنجر لكل نقطة في الفضاء، وهو ما قد يكون مستحيلًا عمليًا، يتم تمثيل الموجة الإلكترونية كمزيج خطي من هذه الدوال.
باختصار، تعتمد المنهجية على حلقة تواصل مستمرة بين الحوسبة الكموميّة والكلاسيكيّة، حيث يبدأ المعالج الكموميّ بتوليد عينات تمثل توزيع الإلكترونات، ثم تُرسل هذه العينات إلى الحاسوب الفائق لتصحيح الأخطاء. بعد ذلك، تُقدَّر طاقة الحالة القاعية وتُعاد النتائج إلى المعالج الكموميّ لتحسين الجولة التالية من العينات. تتكرر هذه العملية عدة مرات حتى الوصول إلى نتائج مستقرة ودقيقة. في التجربة، استخدم الباحثون معالجًا فائق التوصيل Heron لتوليد العينات، والحاسوب الفائق الياباني Fugaku لمعالجتها بشكل متوازي على آلاف العقد، مما سمح بدراسة أنظمة أكبر وأكثر تعقيدًا بكفاءة.
كفاءة النهج الهجين
أظهرت النتائج أن النهج الهجين يستطيع تقديم تقديرات دقيقة للطاقة مشابهة لما تعطيه أفضل الطرق الكلاسيكيّة التقريبيّة، مع ميزة مهمة هي أنه يمكنه التعامل مع أنظمة أكبر بكثير مما تسمح به الطرق الدقيقة التقليديّة مثل FCI.
الخلاصة
تخلص الدراسة إلى أن المعالجات الكموميّة ليست هي الطريق الوحيد لحل معادلات ومسائل البنى الإلكترونيّة في الجزيئات الكيميائيّة، بل يمكننا الاستفادة من الأنظمة الهجينة كذلك. وهو ما يوسع من نطاق ما يمكن دراسته في الكيمياء الكموميّة عمومًا، مع بقاء الباب مفتوحًا للتطور المستقبلي.
على الهامش:
HCL: طريقة تقريبية تختار فقط أهم التكوينات الإلكترونيّة لتقليل الحسابات، تعطي دقة جيدة في الحالات الأقل تعقيدًا، لكنها قد تخطئ عند الترابطات المعقدة جدًا.