
هل تخيلت يومًا كم من الوقت والجهد يتطلبه تحويل فكرة دواء إلى علاج فعال يصل إلى رفوف الصيدليات؟ آلاف المركبات التي تُختبر ومع ذلك قد لا يرى معظمها النور!
على مدى عقود طويلة، اعتمد اكتشاف الأدوية الجديدة على الصدفة أو العديد من المحاولات والخطأ، بتكاليف باهظة، ووقت طويل. لكن في النصف الثاني من القرن العشرين حدثت تطورات علمية كبيرة في علوم عديدة مهدت لثورة في اكتشاف الأدوية وتطويرها، وظهرت منهجية جديدة هي منهجية "التصميم الدوائي الموجه" Rational Drug Design، وفرعه الحديث: "تصميم الأدوية بمساعدة الحاسوب" CADD.
في هذا المسار الجديد يبدأ الباحثون رحلة اكتشاف الدواء بتحديد الهدف البيولوجي، وهو غالبًا بروتين يرتبط مباشرة بحدوث مرض أو تطوره، مثل إنزيم نشط بشكل غير طبيعي، أو مستقبل خلوي يُسهم في نمو ورم سرطاني، أو إنزيم في فيروس أو بكتيريا ممرضة، يسعى الباحثون للتأثير عليه بدواء يوقف عمله أو يعدل نشاطه لعلاج المرض. ويتعرفون على تركيبه ثلاثي الأبعاد باستخدام تقنيات مثل: البلورة بالأشعة السينية X-ray Crystallography، أو المجهر الإلكتروني بالتبريد Cryo-EM، أو الرنين المغناطيسي النووي NMR.
ثم يختبر العلماء فاعلية العديد من المركبات الكيميائية كأدوية محتملة في إصابة هذا الهدف وإيقافه، دون الحاجة إلى أنبوب اختبار واحد، فكيف ذلك؟
باستعمال تقنية حاسوبية تحاكي ارتباط المركبات الكيميائيّة بالبروتينات المستهدفة، وتقيم قوة ذلك الارتباط، بحثًا عن مركب يرتبط في المكان الصحيح بالزاوية المناسبة وبالقوة الكافية، كمفتاح في قفله، فيما يعرف بمحاكاة
الالتحام الجزيئي Molecular Docking، والتي يمكن أن تختبر فاعلية آلاف بل ملايين المركبات فيما يعرف بالفرز الافتراضي للجزيئات Virtual Screening.
تختصر هذه العملية شهورًا من التجارب المعمليّة وتكاليفها، ونصل بها إلى عدة مركبات أو مركب يُظهر نشاطًا واعدًا، يسمى "مرشحًا أوليًّا" Hit. ثم تجري عليه تعديلات كيميائيّة دقيقة، لتحسين فعاليته وثباته وأمانه، حتى يصبح "مرشحًا واعدًا" Lead مستعدًا لاستكمال رحلته باختبارات المختبر، ثم على الحيوانات، ثم على البشر في الدراسات الإكلينيكيّة، حتى يصل إلى رفوف الصيدليات.
يضم تصميم الأدوية بمساعدة الحاسوب CADD بتقنيات وأدوات متعددة إضافة إلى ما ذكرنا، جعلت اكتشاف الأدوية أسرع، وأقل تكلفة، وأكثر دقة.
وقد وصلت أدوية عديدة إلى الأسواق بمساعدة هذه الأدوات، منها:
واليوم، يفتح الذكاء الاصطناعي الباب أمام سرعة غير مسبوقة في اكتشاف الأدوية، مع أمثلة واعدة وصلت إلى مرحلة الدراسات الإكلينيكية، وأظهرت في التجارب الأولية مستويات مشجعة من الأمان والفعاليّة.
ما الذي يخبئه لنا المستقبل؟
لعله يحمل المزيد من الأمل، وتخفيف الآلام، وتحسين حياة الإنسان وصحته.
المصادر:
Niazi, S. K., & Mariam, Z. (2023). Computer-Aided Drug Design and drug
discovery: A prospective analysis. Pharmaceuticals (Basel, Switzerland),
17(1). https://doi.org/10.3390/ph17010022
Patrick, G. L. (2015). An introduction to drug synthesis. Oxford University Press.
Phillips, M. A., Stewart, M. A., Woodling, D. L., & Xie, Z.-R. (2018). Has molecular docking ever brought us a medicine? In D. P. Vlachakis (Ed.), Molecular Docking. InTech.
Xu, Z., Ren, F., Wang, P., Cao, J., Tan, C., Ma, D., Zhao, L., Dai, J., Ding, Y., Fang, H., Li, H., Liu, H., Luo, F., Meng, Y., Pan, P., Xiang, P., Xiao, Z., Rao, S., Satler, C., ... Zhavoronkov, A. (2025). A generative AI-discovered TNIK inhibitor for idiopathic pulmonary fibrosis: a randomized phase 2a trial. Nature Medicine, 31(8), 2602-2610.
https://doi.org/10.1038/s41591-025-03743-2
مراجع إضافية للفيديو:
BioArt. (n.d.). Nih.gov. Retrieved September 20, 2025, from https://bioart.niaid.nih.gov/
Pettersen, E. F., Goddard, T. D., Huang, C. C., Couch, G. S., Greenblatt, D. M., Meng, E. C., & Ferrin, T. E. (2004). UCSF Chimera--a visualization system for exploratory research and analysis. Journal of Computational Chemistry, 25(13), 1605-1612. https://doi.org/10.1002/jcc.20084
Smyth, E. B., Pisco, J. P., Birchall, K., Upfold, N. S., Patel, A. H., Foster, R., & Large, J. M. (2025). Design and synthesis of pyrazoline inhibitors of SARS-CoV-2 NSP14. ACS Medicinal Chemistry Letters, acsmedchemlett.5c00155. https://doi.org/10.1021/acsmedchemlett.5c00155
إعداد وترجمة: مريم محمد يوسف - مي خالد حمودة (الفائزتان بالمركز الثاني بمسابقة الفيديو والمقال العلمي لعام 2025 للمنتدى العربي العلمي)