ما يزال السرطان يمثل تحديًا صحيًّا عالميًّا؛ فقد أُصيب نحو 18.1 مليون شخص في عام 2018، وبلغ عدد الوفيات 9.6 مليون حالة. ومن المتوقع أن يصل عدد الإصابات إلى 28.4 مليون حالة بحلول عام 2040. وتُظهر البيانات الصادرة من دول مثل السعودية، ومصر، والأردن، ولبنان، والإمارات، أن السرطان يُعد من الأسباب الرئيسيّة للوفاة.
رغم أن معدلات الإصابة والوفاة بالسرطان في الدول العربية أقل عمومًا من المعدلات العالميّة، فإن بعض أنواع السرطان مثل اللمفوما، وسرطان المثانة، والثدي، والكبد، تسجل معدلات أعلى بالدول العربية. كما أن نسب الوفاة إلى الإصابة بالسرطان في هذه الدول مرتفعة مقارنة بالمعدل العالميّ.
السؤال: ما ملامح العبء السرطاني في الدول العربية مقارنة ببقية دول العالم؟
سعى الباحثون إلى مقارنة معدلات الإصابة والوفاة الناتجة عن السرطان في الدول العربية مع المعدلات العالميّة، وتحليل الاختلافات في الأنماط الإقليميّة داخل العالم العربيّ، مع محاولة تفسير هذه الفروقات بعوامل بيئيّة وجينيّة.
المنهجية: تحليل شامل لبيانات السرطان
استندت الدراسة إلى تحليل بيانات المرصد العالميّ للسرطان GCO التابع للوكالة الدولية لأبحاث السرطان IARC، وشملت تقييم معدلات الإصابة والوفاة لجميع أنواع السرطان عبر مختلف الفئات العمريّة والجغرافيّة في الدول العربية، ومقارنتها بالمعدلات العالميّة.
ما العوامل التي تؤثر على تباينات نمط الإصابة والوفاة بالسرطان؟
فيما يتعلق بالتركيبة الديموغرافيّة، أوضحت الدراسة أن الجيل الأكبر سنًا الذي وُلد بين عامي 1943 و1963، كان لديه أسلوب حياة مختلف وأقل تأثرًا بأنماط الحياة الحديثة، ما أسهم في تقليل العبء السرطاني لديهم. ولكن يُتوقع أن تزداد نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا بحلول عام 2050، مما قد يؤدي إلى ارتفاع في عدد الإصابات.
ومن حيث التوزيع الإقليميّ، فقد سجلت دول شمال إفريقيا معدلات مرتفعة للسرطانات المرتبطة بالفيروسات، مثل سرطان عنق الرحم، وسرطان الكبد،، نتيجة لانتشار فيروس الورم الحليمي البشري HPV والفيروسات المسببة لالتهاب الكبد الوبائي بي وسي HBV وHCV. أما دول الخليج، فتشهد تأثيرات أنماط الحياة الحديثة، مع ارتفاع معدلات السمنة حتى بين الأطفال، مما يُعد سببًا من أسباب زيادة معدل سرطان القولون على سبيل المثال.
بالإضافة إلى ذلك، كانت معدلات الإصابة بسرطانات الرئة والحنجرة بين النساء منخفضة نسبيًا، نتيجة لانخفاض معدلات التدخين، باستثناء لبنان الذي سجل أعلى نسب تدخين بين النساء. أما بين الرجال، فسجلت الدول العربية مثل لبنان، والأردن، وتونس، والمغرب، معدلات مرتفعة من السرطانات المرتبطة بالتدخين.
وقد لوحظ فيما يخص سرطان الثدي، أن متوسط العمر عند التشخيص في 11 دولة عربية، وهي مصر، والأردن، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، ولبنان، وعمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والسودان، وتونس، واليمن، بين عامي 1950 و2008 كان أقل بحوالي 10 سنوات من متوسط العمر في الدول الغربية. كما سجلت الدول العربية في منطقة بلاد الشام وشمال أفريقيا معدلات أعلى لسرطان الثدي لدى الإناث دون سن الخامسة والثلاثين مقارنة بالمعدل العالميّ.
أثر العوامل الجينية والعرقية في تباين أنماط السرطان
تشير الأدلة إلى أن العوامل الجينية، وخاصة الطفرات الموروثة في جينيّ BRCA1 وBRCA2، قد تكون السبب الرئيسي لارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الثدي لدى الشابات العرب، إضافة إلى ارتباطهما بزيادة معدلات سرطان أخرى مثل البنكرياس، والمعدة . ويُحتمل أن يُسهم ارتفاع معدلات زواج الأقارب في الدول العربية، والتي تصل إلى 50% في بعض المناطق، في زيادة المخاطر الوراثيّة.
كما أثر التنوع العرقي الواسع على التباين في معدلات الإصابة بالسرطان وأيضًا داخل الدولة الواحدة، مثل دولة قطر. حيث أظهرت دراسة أن الطفرات المرتبطة بسرطان الثدي منتشرة لدى القطريين ذوي الأصول الفارسية أكثر من ذوي الأصول العربية.
ماذا بعد؟
أوضحت الدراسة أن هناك فرصًا كبيرة للتحسين في الدول العربية، بما في ذلك تقديم علاجات أفضل لتقليل نسبة الوفاة، ودعم برامج التطعيم والعلاجات المضادة للفيروسات التي من شأنها منع انتشار السرطانات المرتبطة بالعدوى الفيروسيّة. وتعتبر هذه الدراسة مرجعًا أساسيًا لتقييم مدى تقدم مبادرات السرطان الوطنية في الدول العربيّة. كما تسلط الضوء على دعم البحث العلمي لفهم العوامل المؤثرة في الإصابة بالسرطان.