قطة شرودنجر: هل يمكن أن يحدث التشابك الكمومي للأنظمة غير الذرية في ظروف حارة؟
9 أغسطس 2025

تعد معضلة قطة شرودنجر أحد أشهر الأمثلة في فيزياء الكم التي تصف غرابة العالم الكمومي، حيث يمكن لجسم ما أن يكون في حالتين متناقضتين في الوقت نفسه. عادةً، تتطلب هذه الظواهر الكموميّة أن يكون النظام في حالة تُقارب حالة الذرات الكموميّة قليلة الاهتزازات (يُطلق عليها باردة) وذات مستويات طاقة متمايزة. لكن معظم الأنظمة ذات الأحجام الكبيرة في الطبيعة ليست كذلك، فهي حارة أو فوضوية، أي أنها لا تماثل الحالة الذرية في نقائها. بسبب هذا الفارق الجوهري بين الأنظمة الكبيرة (أي ما فوق المستوى الذريّ أو الجزيئيّ) وبين تلك الذرية، لا يشاهد الإنسان الظواهر الكمومية، فهي تظهر فقط تحت ظروف معملية منضبطة، وعلى الأجسام الضئيلة في حجم الجزيئات. وأحيانًا يُمكن استظهارها في حدود النانو أو المايكرومتر، ولكن مع التحكم الشديد للظروف المحيطة. ومع ذلك يواصل العلماء والباحثون سعيهم لإظهار هذه مثل الظواهر في الأنظمة الكبيرة. ويظل السؤال قائمًا: ما الحد الأقصى للحجم أو للحرارة (بمعنى شدة حركة الذرات والجزيئات) أو لنقاء (أي تمايز) حالة النظام من أجل استظهار مثل هذه الظواهر؟ يبدو السؤال للوهلة الأولى نوعًا من الترف الفكري، لكنه جزء من منظومة هائلة من المشاريع البحثية التي تسعى في النهاية إلى تطوير ما يسمى بالحاسوب الكموميّ أو الأنظمة المعلوماتيّة الكموميّة. ترتكتز هذه الدراسة إذًا على نوع من الأسئلة التي تخص أنظمة مرنانات موجات المايكروويف1، وهي أنظمة كهربية (تشبه الدوائر الكهربية) تعمل بذبذبات عالية التردد (جيجاهرتز) وتستخدم في إصدار ونقل وحدات المعلومات الكموميّة (كيوبت أو البِت الكمومي). 

السؤال: هل يمكن حدوث التشابك  الكمومي2 في ظروفٍ غير نقية  أو دافئة؟

ظل هذا السؤال محيرًا لعلماء فيزياء الكم لعقود طويلة، حيث كانت معظم التجارب تركز على الأنظمة الباردة جدًا لتسهيل ظهور التشابك الكموميّ. ومع ذلك، تبقى معظم الأنظمة في الواقع اليوميّ، وحتى في التطبيقات العملية، بعيدة عن هذه الظروف المثاليّة. البحث هنا يتحدى هذا التصور التقليديّ من خلال تجربة مباشرة.

المنهجية: تحضير نظام كموميّ فوضويّ

استخدم الباحثون نظام  متقدم  يعرف بالدوائر الكموميّة فائقة التوصيل3. يتكوّن النظام من مرنان  لموجات الميكرويف1، وهو عبارة عن فراغ مُحْكَم يسمح بإنشاء رنين كهرومغناطيسي بداخله، وهو مرتبط بكيوبت كموميّ يُسمى ترانسمون Transmon3

كانت الخطوة الأولى تسخين المرنان عمدًا عبر ضخ فوتونات (أي موجات كهرومغناطيسية في حالة كموميّة) عشوائية فيه، وإيصال درجة نقائه إلى مستوى منخفض جدًا؛ مماثل لحالة مختلطة أو فوضوية فيزيائيًا. بعد تجهيز النظام في هذا الوضع، بدأ الباحثون بتنفيذ بروتوكوليْن كمومييْن مشهوريْن، هما ECD و cMAP، لنقل حالات  كمومية محددة بين الكيوبت والمرنان دون أي محاولة لتبريد النظام أو إزالة الفوضى.

تتضمن هذه البروتوكولات سلسلة من النبضات الكهرومغناطيسية، وتوقيتات محددة لتشغيل الكيوبت تتيح تحضير حالة تراكب كمومي: أهمها وضع الفوتونات في حالتين متضادتين في الوقت نفسه. والأهم، أن التجربة أُجريت بسرعة كبيرة للغاية أي في غضون العشرات من المايكرو ثانية؛ حتى لا تتاح الفرصة لأي عملية تبريد أو فقدان للطاقة لتعديل الحالة الكموميّة الناتجة. 

أخيرًا، أجرى الفريق قياسًا لدالة فيجنر  Wigner function وهي دالة معقدة في أطوار الموجات المستخدمة  وتكشف ما إذا كانت الحالة الناتجة تحمل فعلًا آثار  التشابك  الكموميّ، وذلك من خلال ظهور قيم سالبة أو نمط تداخل في الدالة .

قطة شرودنجر تعيش في الفوضى

تمكن الباحثون من تحضير حالة تراكب كموميّ واضحة في نظام بدأ من حالة حرارية ساخنة جدًا ومختلطة للغاية. ظهرت في القياسات خصائص كموميّة قوية، كوجود تداخلات وقيم سالبة في دالة فيجنر، حتى عند انخفاض درجة النقاء إلى حدود 0.06، أي في ظروف يصعب معها تصديق احتفاظها بأي صفات كموميّة. الأكثر إثارة أن النتيجة صمدت مع ارتفاع الحرارة وزيادة الفوضى، وظل التشابك قائمًا طالما صُممت البروتوكولات الكموميّة ونفذت بدقة.

هذه النتيجة تعني أن التراكب الكموميّ ليس حكرًا على المختبرات فائقة التبريد أو الأنظمة فائقة النقاء، بل يمكن استغلاله حتى في بيئات حقيقية أكثر واقعية مثل المرنانات النانوية. وعليه، تفتح هذه النتائج آفاقًا جديدة لجعل التقنيات الكميّة أكثر عملية وأقل تكلفةً، إذ يحتاج التبريد إلى درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق استخدام معدات معقدة ومكلفة للغاية. إن التوصل لحالة التراكب الكموميّ في هذه الظروف التي تتطلب ضبطًا وتحكمًا أقل، يعني أننا نقترب خطوات جديدة نحو تطبيق التقنيات والأنظمة المعلوماتية الكموميّة، والتي ينتظر أن يكون لها شأن كبير في مجالات مثل الطب والاتصالات وغيرهما.  

على الهامش:
  1. مرنان  الميكروويف Microwave Cavity/Resonator: هو  جسم فيزيائي مجوف صُمم خصيصًا لحبس وتخزين الموجات الكهرومغناطيسية في نطاق ترددات موجات الميكروويف، والذي يتراوح عادة بين 1 إلى 100 جيجاهرتز.
  2. التشابك الكموميّ Quantum Entanglement: ظاهرة في علم الفيزياء الكموميّة يرتبط فيها جسمان أو أكثر بحيث تكون حالة كلٍ منهما مرتبطة بحالة الجسم الآخر بدون قيد زمني أو مكاني.
  3. كيوبت ترانسمون Transmon: هو نوع متقدم من الكيوبتات فائقة التوصيل، أي التي تعتمد على ظاهرة كهربية تُسمى بالمَوصلية الفائقة (حين تنعدم المقاومة الكهربية في درجات حرارة قليلة). ويُعتبر هذا الكيوبت من أكثر أنواع وحدات البت الكموميّة استخدامًا في الحوسبة الكموميّة الحديثة
اقتراح ومراجعة علمية
أحمد صفوت
صحفي حر
تدقيق ومراجعة لغوية
أحمد صفوت
صحفي حر
د/ أحمد بركات
جامعة ميونيخ التقنية، وكلية الهندسة بجامعة عين شمس
علا زيادة
جامعة القاهرة