يواجه الأشخاص ذوو صعوبات التعلم تحديات مجتمعيّة وقانونيّة عندما يتعلق الأمر بحقهم في تكوين أسرة ورعاية أطفالهم. ورغم أن التشريعات في العديد من الدول، كالمملكة المتحدة، تكفل لهم هذا الحق، فإنهم غالبًا ما يصطدمون بحواجز كبيرة تشمل الوصم، والفقر، والعزلة الاجتماعيّة. تشير الإحصائيات المُقلقة إلى أن ما بين 40% و60% من الآباء ذوي الإعاقة الذهنيّة يفقدون حضانة أطفالهم، وهو معدل مرتفع بشكل غير متناسب مقارنة بعامة السكان. هذا الواقع المؤلم يطرح تساؤلات مهمة حول طبيعة العلاقات العاطفيّة التي تطورها هؤلاء الأمهات مع أطفالهن، وكيف يمكن دعمهن بشكل أفضل.
السؤال: كيف تنظر الأمهات ذوات الإعاقة الذهنية إلى علاقتهن العاطفيّة مع أطفالهن؟
لفهم هذا السؤال المعقد، كان من الضروري التركيز على الأمهات من ذوات الإعاقة الذهنيّة اللواتي ينجحن في تربية أطفالهن دون تدخل من خدمات حماية الطفل. فمعظم الأبحاث السابقة ركزت على العينات السريريّة التي تواجه إجراءات حماية الطفل أو من فقدت حضانة أطفالها، مما يعني أن أصوات الأمهات اللواتي يربين أطفالهن بنجاح ظلت غير مسموعة في الأدبيات العلميّة.
المنهجية: التقرّب من الأغلبية المخفية
اعتمدت الدراسة على منهج بحثيّ نوعيّ يهدف إلى فهم تجارب الأمهات من منظورهن الشخصيّ، حيث أُجريت مقابلات شبه منظمة مع عشر أمهات من ذوات الإعاقة الذهنية اللواتي يربين أطفالهن دون تدخل من خدمات حماية الطفل. تم انتقاء المشاركات من خلال مجموعات الدعم والمناصرة في المملكة المتحدة، مما ساعد في الوصول إلى الأغلبية المخفية The Hidden Majority من الأمهات اللواتي لا يتلقين خدمات رسمية1. تراوحت أعمار المشاركات بين 30 و49 عامًا، وكان لديهن 30 طفلًا في المجموعة تتراوح أعمارهم بين 3 و20 عامًا. استخدم الباحثون التحليل الموضوعيّ لتحليل البيانات، مع إشراك مجموعة دعم الأقران للتحقق من صحة النتائج وتفسيرها.
رحلة معقدة من الحب والتحديات
كشفت الدراسة عن ثلاثة محاور رئيسيّة تشكل تجربة الأمومة لدى هذه الفئة. أولًا، أظهرت جميع الأمهات فهمًا عميقًا لأهمية العلاقات العاطفيّة مع أطفالهن، حيث وصفن شعورًا فريدًا بالارتباط العاطفيّ، والجسديّ، يبدأ من الحمل ويتطور عبر القرب الجسديّ، مثل: العناق والقبلات. عبّرت إحدى الأمهات عن هذا الشعور قائلة: أشعر برابطٍ عميق يجمعني بأطفالي. قُربي منهم يمنحني إحساسًا لا يُشبه أي شيء آخر. هناك شيء ينبض بداخلي، وجسدي تنتابه القشعريرة.
ثانيًا، واجهت الأمهات حواجز متعددة تؤثر على علاقاتهن مع أطفالهن، بما في ذلك الشعور بالعجز، وقلة الاستقلاليّة في اتخاذ القرارات المتعلقة بأطفالهن. مرت أربعة من الأمهات المشاركات بتجربة مؤلمة تمثلت في فقدان أحد أطفالهن، سواء بشكل مؤقت أو دائم، مما أثر بشكل عميق على ثقتهن بأنفسهن كأمهات.
ثالثًا، أظهرت النتائج طبيعة ثنائيّة الاتجاه في العلاقات، حيث تحتاج الأم لطفلها بقدر ما يحتاج هو إليها. وقد وصفت أربع أمهات اعتمادًا عاطفيًا على أطفالهن، خاصة في ظل العزلة الاجتماعية التي يواجهنها؛ قالت إحداهن: كل صباح أستيقظ، لأجد طفلتي السبب في استيقاظي، وهي ما أتطلع إليه عندما أنهض من السرير.
ماذا تُخبرنا الدراسة؟
تحمل نتائج الدراسة دلالات مهمة لتطوير الخدمات والدعم المقدم للأمهات ذوات الإعاقة الذهنيّة. تؤكد الدراسة على ضرورة تبني نهج معتمد على فهم الصدمات النفسيّة والتعلّق، خاصة في سياق احتياجات الصحة النفسيّة للأمهات ووجود أطفال ذوي احتياجات إضافية. كما تشير إلى الحاجة الملحة لتطوير أدوات تقييم مناسبة لقياس أنماط التعلق لدى الأمهات ذوات الإعاقة الذهنيّة، وتطبيق تدخلات علاجيّة قائمة على نظرية التعلق. الأهم من ذلك، تدعو النتائج إلى ضرورة تمكين هؤلاء الأمهات من خلال بناء علاقات ثقة مع المهنيين، بدلًا من التركيز على أوجه القصور فقط، مما قد يساعد في تقليل معدلات فقدان حضانة الأطفال المرتفعة بشكل غير متناسب في هذه المجتمعات.
على الهامش: