الفيريهيّدريت: مفتاح جديد لفهم التاريخ المائي للمريخ
16 يونيو 2025

يُعدّ استكشاف كوكب المريخ وفهم تاريخه المناخيّ أحد الأهداف الرئيسيّة للأبحاث الفلكيّة الحديثة، حيث تسعى المهام الفضائيّة المتعددة إلى الكشف عن الظروف البيئيّة التي سادت في الماضي، ومدى احتمال احتضان الكوكب لمصادر المياه، وحتى إمكانية دعمه للحياة في مرحلة ما. 

يُعتبر الغبار المريخيّ عنصرًا أساسيًا في دراسة هذه الألغاز، وذلك نظرًا لانتشاره الواسع وتأثيره على المناخ. وقد ساد الاعتقاد سابقًا بأن أكسيد الحديد المعروف بـالهيماتايت الجاف، أو أكسيد الحديد الثلاثي، هو العنصر الأساسي المسئول عن اللون الأحمر للمريخ، إلا أن دراسة حديثة كشفت أن مركبًا آخر، وهو الفيريهيّدريت Ferrihydrite قد يكون المكون الرئيسيّ للغبار المريخيّ.

السؤال: هل يُعد الفيريهيّدريت دليلًا على نشاط مائي قديم على سطح المريخ؟

يُمثل هذا التساؤل تحديًا جوهريًا في علم الكواكب، إذ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بفهم التحولات البيئيّة التي شهدها المريخ. لطالما ركز العلماء على البحث عن أدلة تثبت وجود الماء السائل على سطح المريخ في الماضي، نظرًا إلى دوره المحوري في العمليات الجيولوجيّة والبيئيّة، وكذلك في إمكانية دعم الحياة الميكروبيّة. يُعرف الفيريهيّدريت بأنه أكسيد هيدروكسيد الحديد غير المتبلور، والمحتوي  على جزيئات ماء داخل تركيبه، وهو ما يجعله مؤشرًا محتملًا على وجود بيئات مائيّة سابقة.

إذا ثبت أن الفيريهيّدريت هو المكون الأساسي للغبار المريخيّ الحامل للحديد، فإن ذلك يعني أن المريخ قد شهد في فترات ماضية ظروفًا بيئيّة أكثر رطوبة مما كان يُعتقد، حيث تشكل هذا المعدن في بيئات باردة ومعتدلة الحموضة قبل أن يجف الكوكب تدريجيًا. وعليه، فإن دراسة طبيعة هذا المركب لا تساعد فقط في تفسير لون المريخ، وإنما توفر أيضًا دليلًا مباشرًا على التحولات المناخيّة التي مر بها الكوكب، وهو ما قد يعيد تشكيل الفرضيات حول إمكانية وجود حياة قديمة عليه.

المنهجية: محاكاة بيئة المريخ

للتأكد من طبيعة الغبار المريخيّ وتحديد مكوناته بدقة، اعتمد الباحثون على تحليل البيانات الطيفية1 القادمة من أدوات متطورة على متن الأقمار الصناعيّة والمركبات الفضائيّة، مثل: CRISM وOMEGA2، وقارنوها بقياسات مخبريّة دقيقة.

بدأت الدراسة بتحضير عينات اصطناعيّة تُمثل الغبار المريخيّ، حيث صُنّع الفيريهيّدريت عبر أكسدة أيونات الحديد في بيئة مائية تحت درجات حرارة منخفضة، ودرجة حموضة معتدلة، وهي ظروف يُعتقد أنها سادت في المراحل المبكرة من تاريخ المريخ. بعد ذلك، خُلط الفيريهيّدريت مع البازلت بنسب محددة ليتناسب الخليط وغبار سطح المريخ، ومن ثم قياس الأطياف الناتجة، لمعرفة مدى تطابقها مع البيانات الحقيقية التي جمعها العلماء من سطح المريخ.

بالإضافة إلى ذلك، أُجريت تجارب تجفيف مطولة لمحاكاة البيئة المريخيّة الجافة والباردة، حيث تم تعريض الفيريهيّدريت لظروف مماثلة لتلك الموجودة على سطح الكوكب، وذلك لاختبار مدى استقراره وتحوله إلى أطوار أُخرى. كما دُرست أحجام جزيئات الغبار بدقة، باستخدام تقنيات تصوير متطورة، لمعرفة مدى تطابقها مع العينات التي حُلّلت سابقًا من سطح المريخ.

تفسير الطيف المرئي لغبار المريخ

أظهرت التحليلات أن مزيج الفيريهيّدريت والبازلت أعاد إنتاج الطيف المرئيّ والغريب للغبار المريخيّ بدقة لافتة، إذ تطابقت الامتصاصات الطيفيّة التي رُصدت في نطاق 0.4–4 ميكرومتر تمامًا مع تلك التي سجلتها الأدوات العلميّة على متن المركبات الفضائيّة. كما أكدت تجارب التجفيف أن الفيريهيّدريت يبقى مستقرًا لفترات طويلة، لذلك يُمكن أن يكون قد تشكّل منذ العصور الأولى للمريخ، وظل محتفظًا بخصائصه حتى اليوم. 

ماذا بعد؟

تشير هذه النتائج إلى أن الغبار المريخيّ يحتوي على نسبة كبيرة من الفيريهيّدريت، تتراوح بين 20 إلى 33٪، وهو ما قد يُسهم في تفسير اللون الأحمر الغني للكوكب. الأهم من ذلك، أن وجود الفيريهيّدريت يُعتبر دليلًا قويًا على أن المريخ شهد فترات قصيرة من النشاط المائيّ في مراحل متأخرة من تاريخه، تحت ظروف باردة وحمضية، قبل أن يجف نهائيًّا.

تُعيد هذه النتائج تشكيل تصورنا لتاريخ المريخ البيئيّ، إذ تكشف أن الكوكب الأحمر لم يكن جافًا بالكامل عبر العصور، بل شهد فترات محدودة من النشاط المائيّ، أسهمت في تكوين الفيريهيّدريت قبل أن يدخل في مرحلة الجفاف الشديد.

على الهامش:
  1. التحليل الطَيْفي Spectroscopy: تقنية تستخدم لدراسة كيفية امتصاص المواد للضوء، مما يساعد في تحديد تركيبها الكيميائيّ.
  2. CRISM وOMEGA: جهازي تصوير وتحليل طيفي على متن المركبات الفضائيّة للهيئتين الأمريكية والأوروبية للفضاء يُستخدمان لدراسة المعادن على سطح المريخ من خلال تحليل الضوء المنعكس.
اقتراح ومراجعة علمية
د/ أحمد بركات
جامعة ميونيخ التقنية، وكلية الهندسة بجامعة عين شمس
تدقيق ومراجعة لغوية
أحمد صفوت
صحفي حر
د/ أحمد بركات
جامعة ميونيخ التقنية، وكلية الهندسة بجامعة عين شمس
علا زيادة
جامعة القاهرة