هل تستطيع شقائق النعمان أن تكتسب مهارات التعلُّم الترابطيّ؟
17 مايو 2025

يُمثّل التعلُّم الترابطيّ Associative Learning جزءًا جوهريًا من عمليات التكيف السلوكي التي تُمكّن الحيوانات من تعديل استجاباتها، وتوقع نتائج مستقبليّة بناءً على تجارب سابقة. ويشير هذا المصطلح إلى القدرة على تكوين روابط بين أحداث مختلفة، أو محفزات معينة.

عادةً ما يرتبط هذا النوع من التعلُّم بالكائنات ذات الأنظمة العصبيّة المركزية المُتطورة، مثل: الثدييات، والطيور؛ حيث أظهرت الدراسات كيفية حفظ هذه الأدمغة المتطورة للمعلومات لتستخدمها في تشكيل السلوكيات المعقدة. لكن ما تزال معرفتنا محدودة نسبيًّا بهذا النمط من التعلُّم في الكائنات الأقل تعقيدًا، والتي تفتقر إلى أنظمة عصبيّة مركزيّة، كبعض الكائنات البحريّة، مثل: الشعاب المرجانيّة، وقناديل البحر، وشقائق النعمان البحريّة.

تُعد شقائق النعمان البحريّة من أبسط الكائنات الحية من حيث التركيب العصبيّ، فهي لا تمتلك دماغًا مركزيًا، وإنما شبكة عصبية بسيطة موزعة في جميع أنحاء الجسم. لذا، فإن اكتشاف القدرة على التعلُّم الترابطيّ لدى هذه الكائنات يُثير اهتمام الباحثين بشكل كبير، لما له من آثار مهمة على فهم تطور التعلُّم، والذاكرة، عبر التاريخ التطوريّ للكائنات الحية.

السؤال: هل تستطيع شقائق النعمان البحرية أن تتعلم بشكل ترابطي رُغم بساطة تكوينها العصبيّ؟

حاول الباحثون الإجابة عن هذا السؤال في دراسة منشورة مؤخرًا في مجلة PNAS، من خلال اختبار قدرة شقائق النعمان البحريّة على إظهار شكل من أشكال التعلُّم الترابطيّ المعروف بالتعلُّم الشرطيّ الكلاسيكيّ Classical Conditioning، والذي يُعد أحد أبسط أشكال التعلُّم الترابطيّ وأوضحها من حيث ربطه لحافزٍ شرطي معين مع استجابة جسديّة مرتبطة بحافزٍ طبيعي غير شرطيّ.

المنهجية: توظيف أسلوب التعلُّم الشرطيّ الكلاسيكيّ Classical Conditioning لاختبار قدرة شقائق النعمان على تشكيل ذكريات ترابطيّة

طبّق الباحثون منهجية التعلُّم الشرطي الكلاسيكي باستخدام حافزين مختلفين: الضوء كحافز شرطيّ Conditioned stimulus، والصدمة الكهربائيّة كحافز غير شرطيّ Unconditioned stimulus. وكانت الفرضية التي استند إليها الباحثون هي أن شقائق النعمان ستتعلم الربط بين الضوء والصدمات الكهربائيّة إذا تكرر اقترانهما عدة مرات، وبالتالي ستبدأ في إظهار استجابة محددة عند التعرض للضوء وحده دون الحاجة للصدمة الكهربائيّة.

أجريت التجربة على مدار جلسة واحدة استمرت حوالي 50 دقيقة، قُسّمت خلالها شقائق النعمان البحرية إلى مجموعتين:

  1. المجموعة الأولى، مجموعة التعلُّم الشرطيّ classical conditioning group: تعرضت للضوء والصدمة الكهربائيّة في الوقت نفسه بشكل متزامن، وذلك لخلق ترابط واضح بين الحافزين.
  2. المجموعة الثانية، مجموعة التحكم control group: تعرضت لكل من الحافزين، لكن في توقيت غير متزامن، وذلك لمنع تكوين أي ترابط بينهما.

بعد 10 دقائق من الانتهاء من التدريب، قيّم الباحثون مدى نجاح التجربة عبر تعريض شقائق النعمان في المجموعتين للحافز الضوئيّ وحده دون الصدمة الكهربائيّة، ومراقبة استجابتها الفعلية لهذا الحافز. ولتحليل التغيرات الناتجة عن الاستجابة للضوء بشكل كمي، تتبع الباحثون حركات شقائق النعمان بدقة عالية، وحلّلوها باستخدام برنامج تتبع الحركة DeepLabCut. 

استجابات شرطيّة لدى شقائق النعمان 

أظهرت نتائج التجربة أن 72% من شقائق النعمان في مجموعة التعلُّم الشرطيّ أبدت استجابة واضحة عند التعرض للضوء وحده بعد انتهاء فترة التدريب، في حين أن 30% فقط من شقائق النعمان في مجموعة التحكم أظهرت استجابة مشابهة. ويُشير الفارق الملحوظ بين المجموعتين إلى أن شقائق النعمان في المجموعة الأولى قد تمكنت بالفعل من تكوين رابط بين الضوء والصدمة الكهربائيّة. ما يعكس قدرتها على تكوين روابط  شرطيّة، وذاكرة ترابطيّة.

تطرح الدراسة تساؤلات مهمة حول الأصول التطوريّة للتعلم والذاكرة في عالم الحيوان. فشبكة الأعصاب الموزعة البسيطة الموجودة في شقائق النعمان البحريّة تبدو كافية لإحداث شكل من أشكال التعلُّم، وهو ما كان يُعتقد سابقًا أنه يتطلب أنظمة عصبيّة مركزيّة متطورة. وعليه، تفتح هذه الدراسة الباب لفهم أعمق لكيفية تطور قدرات التعلُّم لدى الكائنات الحية، وربما إعادة تعريف الحدود التي تفصل بين الأنظمة العصبيّة البسيطة والمعقدة في سياق القدرة على التكيف، والتعلم.

اقتراح ومراجعة علمية
د/ دعاء مجاهد
جامعة هارفارد
تدقيق ومراجعة لغوية
أحمد صفوت
صحفي حر
علا زيادة
جامعة القاهرة