كيف يؤثر تناول الوجبات ذات السعرات العالية على الدماغ؟دراسة تكشف التغيرات المبكرة قبل زيادة الوزن
28 أبريل 2025

تُعد السمنة واضطرابات الأيض من المشكلات الصحيّة المنتشرة عالميًّا. ويسعى العلماء إلى فهم التغيرات المبكرة التي تحدث في الجسم قبل ظهور علامات زيادة الوزن. تشير الدراسات إلى أن دور الأنسولين لا يقتصر على تنظيم مستوى السكر في الدم، بل يلعب دورًا حيويًّا في الدماغ من خلال التحكم في الشهية، وتنظيم السلوك الغذائيّ. فعند الأفراد الأصحاء، يعمل الأنسولين على تثبيط الرغبة في تناول الطعام، بينما تؤدي مقاومة الأنسولين في الدماغ إلى اختلال هذه الآلية، مما قد يُعجّل بتراكم الدهون، ويُزيد خطر الإصابة بالسمنة، والأمراض المرتبطة بها، مثل: السكري من النوع الثاني.

تشير بعض الأبحاث الحديثة إلى أن الإفراط في تناول الأطعمة المصنعة الغنية بالدهون والسكريات قد يُحدث تغييرات سريعة في حساسية الدماغ للأنسولين، حتى قبل ظهور أي زيادة في الوزن. هذه التغييرات قد تُمهّد الطريق لاضطرابات التمثيل الغذائي على المدى الطويل، مما يجعل فهمها أمرًا بالغ الأهمية للوقاية من الأمراض المزمنة.

السؤال: هل تتأثر الدماغ قبل الجسم عند الإفراط في تناول الطعام؟

يتمحور البحث حول التساؤل التالي: هل يؤدي الإفراط في تناول الوجبات ذات السعرات الحرارية العالية إلى تغييرات في حساسية الدماغ للأنسولين قبل حدوث زيادة في الوزن؟ وما مدى استمرار هذه التغيرات بعد العودة إلى النظام الغذائي الطبيعي؟ إن الأنسولين ليس مجرد هرمون ينظم مستوى السكر في الدم، بل له دور أساسي في التحكم بالشهية والسلوك الغذائي. لذا، فإن دراسة تأثير تناول الطعام على استجابة الدماغ للأنسولين قد تساعد في فهم الآليات التي تسهم في تطور السمنة.

المنهجية: اختبار تأثير الإفراط الغذائي على استجابة الدماغ للأنسولين 

أجرى الباحثون تجربة غير معملية على 29 شابًا يتمتعون بوزن صحي، أي أن مؤشر كتلة الجسم BMI 1 لديهم يتراوح بين 19 و25، تم تقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة اتبعت نظام غذائي ذو سعرات عالية: شملت 18 مشاركًا تناولوا وجبات خفيفة مُصنعة تحتوي على 1,500 سعر حراري إضافي يوميًا لمدة خمسة أيام. ومجموعة مرجعية Control group2: شملت 11 مشاركًا استمروا في تناول طعامهم المعتاد دون أي تغييرات.

خضع المشاركون لعدة قياسات على ثلاث مراحل: قبل بدء التجربة، وفور انتهاء الأيام الخمسة من استهلاك السعرات الحرارية الإضافية، ثم بعد أسبوع من العودة إلى نظامهم الغذائي الطبيعي؛ وذلك لمعرفة ما إذا كانت التغيرات الدماغية ما تزال قائمة. 

خضع المشاركون لتصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI3 بعد تلقيهم جرعة من الأنسولين عبر الأنف؛ لدراسة استجابة الدماغ له. كما تم قياس مستوى السكر في الدم وتحليل تراكم الدهون في الكبد. قيَّم الباحثون تدفق الدم في الدماغ كمؤشر على نشاط خلاياه، واستجابتها للأنسولين، وأجروا تقييمات سلوكية لاختبار حساسية المشاركين للمكافآت كالطعام اللذيذ، وكذلك العقوبات، مثل: الحرمان من الطعام. كما جمع الباحثون بيانات عن النشاط البدني، والعادات الغذائيّة للمشاركين.

تأثير الوجبات السريعة على الأنسولين

أظهرت النتائج أن تناول الوجبات ذات السعرات العالية تسبب تغييرات واضحة في استجابة الدماغ للأنسولين، دون أن يؤدي ذلك إلى زيادة الوزن، أو التأثير على حساسية الأنسولين في باقي الجسم. فبعد انتهاء الأيام الخمسة الأولى، تبين أن هناك ارتفاع في استجابة الأنسولين في مناطق الدماغ المسئولة عن تنظيم السلوك الغذائي، والمكافآت، مثل: القشرة الجزيرية اليمنى right insular cortex، والغطاء الرولاندي الأيسر left rolandic operculum، والجزء الأوسط من الدماغ midbrain. كما تبين أن هذه التغيرات ارتبطت بزيادة الدهون في الكبد؛ مما يشير إلى بداية حدوث الاضطرابات الأيضية قبل أن تظهر التغييرات على مقياس الوزن.

وبعد أسبوع من العودة إلى النظام الغذائي المعتاد، فقد لوحظ انخفاض في استجابة الدماغ للأنسولين في منطقة الحُصين الأيمن right hippocampus، والتلفيف المغزلي الثنائي bilateral fusiform gyrus، وهما منطقتان مرتبطتان بالذاكرة، والإشارات البصرية المتعلقة بالطعام. كما تراجعت حساسية المشاركين للمكافآت، وازدادت حساسيتهم للعقوبات؛ مما يشير إلى تغييرات سلوكيّة قد تؤثر على طريقة اتخاذهم للقرارات الغذائيّة مستقبلًا.

ماذا بعد؟

تشير هذه النتائج إلى أن تناول كميات كبيرة من الطعام الغني بالسعرات الحرارية وإن كان لفترة قصيرة، يُمكن أن يؤثر على وظائف الدماغ بطرق قد تسبق ظهور السمنة أو مقاومة الأنسولين في الجسم. قد تكون هذه التغيرات مسئولة عن تطور أنماط غذائية غير صحية على المدى الطويل؛ مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض الأيضيّة.

تفتح هذه الدراسة آفاقًا جديدة لفهم العلاقة بين النظام الغذائيّ وصحة الدماغ؛ مما قد يساعد في تطوير استراتيجيات وقائيّة للكشف المبكر عن التغيرات العصبية المرتبطة بالسمنة. كما تبرز الحاجة إلى مزيد من الأبحاث، ولفترات زمنيّة أطول؛ لفهم مدى استمرار هذه التغيرات، وتأثيرها على الصحة العامة.

على الهامش:
  1. مؤشر كتلة الجسم BMI: مقياس يحدد ما إذا كان وزن الشخص صحيًا مقارنة بطوله، ويُحسب بقسمة الوزن على مربع الطول. 
  2. التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI: تقنية تصوير دماغي تقيس التغيرات في تدفق الدم لاكتشاف نشاط مناطق الدماغ أثناء أداء وظائف معينة.
  3. المجموعة المرجعية Control Group: مجموعة من المشاركين لا تتعرض للتجربة الفعلية، بل تحافظ على سلوكها المعتاد لمقارنة النتائج مع المجموعة التي خضعت للتجربة.

اقتراح ومراجعة علمية
د/ أروى أبو جبل
جامعة Sheffield
تدقيق ومراجعة لغوية
أحمد صفوت
صحفي حر
د/ أروى أبو جبل
جامعة Sheffield
علا زيادة
جامعة القاهرة