أدى العنف المسلح الدائر في السودان، والذي اندلع في شهر أبريل عام 2023، إلى نزوح 2.7 مليون سوداني، وتهجير حوالي 400.000 لاجئ، مما استدعى تقديم الرعاية الصحيّة الطبيّة عن بُعد عبر الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة. وعلى الرغم من التطورات التكنولوجيّة السريعة والحاجة للاستشارات الطبيّة، فإن البيانات المتعلقة بتطبيق الطب عن بُعد في السودان ما تزال نادرة ويصعُب الوصول إليها.
لذا هدفت دراسة منشورة في دورية Scientific Reports إلى تقييم تجربة الأطباء وتصوراتهم ومخاوفهم بشأن الاستخدام الروتيني للاستشارات الطبية الالكترونيّة منذ بداية النزاع المسلح في السودان. وأشارت الدراسة الى أن النزاع الحالي في السودان يعيق إمكانية الحصول على الخدمات الصحيّة. وركزت الدراسة على الأطباء السودانيين الذين قدّموا استشارات عبر الإنترنت خلال فترة النزاع، سواء كانوا مقيمين داخل السودان أو خارجها.
وقد شملت الدراسة 2463 طبيبًا من 17 تخصصًا مختلفًا، وأكثرهم من متخصصي الطب الباطني. تضمن الاستفتاء نسبة شبه متساوية من الأطباء من الإناث والذكور الذين مثّلوا نسبة 56.8٪ و45.2٪ على التوالي. وأفادت الدراسة بأن المكالمات الصوتيّة هي النظام الأكثر استخدامًا بنسبة 50.1%، تليها خدمة الرسائل القصيرة بنسبة 30.6٪، ثم وسائل التواصل المرئية video call بنسبة 10.6٪. وأفاد أكثر من 50٪ من الأطباء أن الخدمة الطبيّة الإلكترونيّة ساعدت على تقديم رعاية صحيّة جيدة، واتفق حوالي 70٪ من الأطباء على أن الوسائط الإلكترونيّة قد ساعدت على اكتساب ثقة المرضى، كما أكد 85.1% من الأطباء على أهمية الفحص الجسدي المباشر في ممارسة الطب، وهي الميزة التي تفتقد إليها كل الوسائل الالكترونية المستخدمة في الدراسة، حيث أعتمد أغلبية الأطباء على تاريخ المريض الطبيّ في التشخيص.
أوضحت الدراسة قلق الأطباء من مشكلات الاستشارات الطبية الإلكترونيّة، مثل: عدم الحصول على معلومات كاملة من المريض، ومشكلة التشخيص السليم، والمشاكل القانونيّة الطبيّة، وأخطاء الوصفات الدوائيّة. وفي نفس الوقت أشار نحو 70% من الأطباء إلى أهمية استمرار تقديم الاستشارات الطبيّة عبر الإنترنت، حتى بعد انتهاء الحرب الخانقة في السودان. وفسر الباحثون ذلك على أنه اعتراف بالقيمة الدائمة والتحسينات المُحتملة التي ربما تُقدمها هذه الممارسات عن بُعد، مع ضرورة تطويرها لمواجهة المشاكل المُحتملة.
وتشير الآراء الجماعيّة للأطباء في هذه الدراسة إلى أهمية التوازن بين فوائد الاستشارات الطبية عن بُعد مع ضرورة الفحص الجسدي المباشر في مجال الرعاية الصحيّة، مما يطرح عدة تساؤلات حول كيفية تحقيق التكامل في أنظمة الرعاية الطبيّة الإلكترونيّة في المستقبل.